أعلنت إيران تجديد تعاقدها مع الحكومة العراقية لتصدير الغاز الطبيعي إلى بغداد، في ظل المخاوف المتزايدة من ضعف الإنتاج وعجزها عن توفير احتياجاتها الداخلية من الطاقة.
وشهدت إيران أزمات في تلبية احتياجاتها من الطاقة، لاسيما في موسم البرد والشتاء، على مدار السنوات الماضية، رغم تفاخرها بامتلاكها ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم.
ولعبت إيران دورًا محوريًا في توفير الغاز الطبيعي لتلبية احتياجات العراق من الطاقة، خاصة لتوليد الكهرباء، لكن الانخفاض الملحوظ في إمداداتها إلى العراق أدى إلى تفاقم أزمة الطاقة وانخفاض إنتاج الكهرباء في البلاد بشكل كبير عن الطلب المتزايد حالياً والذي يبلغ 35 غيغاوات.
وقد وقعت الحكومة العراقية عدة عقود بمليارات الدولارات مع كبار منتجي الطاقة منذ عام 2008، إلا أن جهودها المبذولة لمعالجة الأزمة باءت بالفشل إلى حد كبير؛ حيث أدى الفساد وسوء الإدارة والتدخل السياسي إلى خسائر كبيرة في هذا القطاع.
حقل "بارس الجنوبي" الإيراني وضعف أداء نظام طهران
يمثل حقل "بارس الجنوبي"، وهو أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، أهمية بالغة للاقتصاد الإيراني؛ لأنه يوفر جزءًا كبيرًا من إنتاج الغاز الطبيعي في البلاد.
ويعاني هذا الحقل، الواقع في المياه الخليجية بين إيران وقطر، الإهمال في تطويره من قبل إيران، خلافاً لما تقوم به قطر، التي تستخرج منه الغاز منذ عام 1990، أي قبل عقد من بدء إيران عمليات الاستخراج من الحقل ذاته، وأنتجت ما يقرب من ضعف انتاج إيران من الحقل.
وتخضع إيران حاليًا لعدد كبير من العقوبات الأميركية والغربية بسبب برنامجها النووي المثير للجدل وسياستها الخارجية المزعزعة للاستقرار؛ حيث إن كبار منتجي الطاقة الغربيين هم الوحيدون الذين يمتلكون التكنولوجيا والموارد اللازمة للمساعدة في تعزيز إنتاج الغاز والنفط في إيران.
ويزعم المسؤولون، الذين يتعرضون لضغوط لزيادة الإنتاج، أن مشاريع مثل تطوير حقل غاز كيش، والتعاون في حقل غاز فرزاد-"بي"، وغيرها من المشاريع المماثلة، تهدف إلى زيادة إنتاج الغاز اليومي في إيران بشكل كبير.
لكن حقل "بارس الجنوبي" يقترب من مراحله الأخيرة لعمره الإنتاجي، ومع انخفاض الضغط في الحقل، يصبح من الصعب على إيران الحفاظ على قدرتها على إنتاج الغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها المحلية وللعراق على المدى الطويل.
وسوف تتعرض قدرة إيران للحفاظ على تصدير الغاز الطبيعي إلى العراق للخطر، ما لم تتخذ إجراءات لمعالجة نقص الإنتاج بحقل بارس الجنوبي.
في غضون ذلك يبدو أن قدرة تركمانستان الصاعدة واستعدادها لتزويد العراق بالغاز الطبيعي عبر إبرامها اتفاقية مع طهران لتوصيل الغاز إلى العراق عبر الأراضي الإيرانية يعد مرحلة جديدة من التنافس داخل سوق الطاقة في المنطقة.
العقوبات تفاقم ضعف أداء إيران في إنتاج الطاقة
وتتضاعف التحديات الحالية التي تواجهها إيران في علاقتها مع العراق وتزداد تعقيدا، وذلك نتيجة طرق الدفع المقيدة بالعقوبات الأميركية.
فالعقوبات الأميركية جعلت من الصعب على إيران تلقي مستحقاتها من العراق مقابل صادراتها النفطية، مما أثار جدلا وخلافات حول البحث عن طرق بديلة للدفع.
وبالرغم من التحديات التكنولوجية التي تواجهها إيران، والأداء الضعيف، والتوترات الإقليمية والعقوبات، تأمل طهران في إنجاح جهودها والحفاظ عليها في التعاون مع العراق في مجال الطاقة.
إن وعود إيران بتلبية احتياجات العراق من الغاز، على الرغم من أزمتها الداخلية في إنتاج الطاقة لا يأتي من فراغ، وإنما يهدف إلى تحقيق أهداف طهران الإستراتيجية بما يتجاوز مجرد جني الفوائد والعائدات المالية، ومن هذه الأهداف محاولة تأمين نفوذها الإقليمي من خلال جهودها المتعثرة للبقاء في المنافسة من خلال التأثير على سوق الطاقة.