كشفت المعلومات الخاصة والحصرية، التي تلقتها "إيران إنترناشيونال"، أن طهران تعمل بنشاط على استكمال برنامجها للأسلحة النووية من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع في وقت واحد.
واستنادًا إلى ثلاثة مصادر موثوقة ومستقلة في إيران، تحتفظ "إيران إنترناشيونال" بأسمائها؛ نظرًا لحساسية الموضوع، فقد قامت طهران بإجراء تغييرات هيكلية في منظمة أبحاث الدفاع الحديثة (سبند)، مع استمرار محمد إسلامي رئيسًا لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية، كما تم استئناف اختبارات إنتاج أجهزة تفجير القنابل النووية، مما يعزز من برنامجها للأسلحة الذرية.
وأظهرت المعلومات، التي تلقتها "إيران إنترناشيونال" مؤخرًا، أن طهران كثّفت إجراءاتها لإكمال دورة إنتاج الأسلحة النووية، بما في ذلك التخصيب عالي التركيز، وإنتاج أجهزة التفجير النووي، وتطوير الصواريخ القادرة على حمل رؤوس حربية نووية.
ودأبت وكالات الاستخبارات الأميركية، في تقاريرها السنوية، على التأكيد أن "إيران لا تسعى إلى صنع أسلحة نووية"، إلا أن تقرير هذا العام، الذي نُشر الأسبوع الماضي تضمن تغييرًا، حيث حُذفت هذه العبارة، واستُبدلت بعبارة: "إيران تواصل أنشطة تُحسن من وضعها لإنتاج أسلحة نووية".
تغيير هيكل منظمة أبحاث الدفاع الحديثة
قبل أقل من شهر من وفاة الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، تمت الموافقة على مشروع قانون إنشاء منظمة أبحاث الدفاع الحديثة (سبند) في البرلمان الإيراني، وأصبح قانونًا نافذًا.
وكانت "سبند"، التي تأسست عام 2010، تابعة لوزارة الدفاع، ولكن بموجب القانون، الذي تمت الموافقة عليه، وإصداره بسرعة قبل أسبوع من وفاة إبراهيم رئيسي، أصبحت منظمة مستقلة.
وتولى محسن فخري زاده، أحد أبرز شخصيات البرنامج النووي العسكري الإيراني، مسؤولية إدارة المنظمة، وقُتل في ديسمبر (كانون الأول) 2020 في منطقة أبسرد، وقد نُسب مقتله إلى الموساد الإسرائيلي.
وأصبحت "سبند" منظمة مستقلة، بموجب القانون الجديد، ومن المفترض أن تعمل من أجل تعزيز إنجازات فخري زاده ومواصلتها.
وجاء في المادة الثانية من هذا القانون أن المنظمة الجديدة ستتمتع بالاستقلال المالي، وليس مطلوبًا منها الالتزام بقانون لجنة الرقابة المالية، ومن المفترض ألا تُحاسب عما تفعله بميزانيتها المخصصة.
وتنص الفقرة السابعة من هذا القانون أيضًا على أن إدارة "سبند" تكون بُناءً على القوانين التي أصدرها المرشد الإيراني، علي خامنئي.
ما أهمية تشكيل منظمة "سبند" المستقلة؟
أطلقت إيران قمرًا صناعيًا يحمل اسم "ثريا" إلى مدار الأرض في 20 يناير (كانون الثاني) الماضي، باستخدام حاملة أقمار صناعية تعمل بالوقود الصلب مكونة من ثلاث مراحل تُسمى "قائم- 100"، من تصنيع الحرس الثوري الإيراني.
وبعد أيام قليلة، أدانت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا هذا العمل، في بيان مشترك، وقالت إن صاروخ "قائم- 100"، الذي يحتوي على وقود صلب، يستخدم تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الإيرانية بعيدة المدى.
وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، زادت إيران تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمائة، ولديها كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب تكفي لصنع عدة قنابل نووية.
وتتضمن القدرة على تصنيع سلاح نووي دورة معقدة تتألف من ثلاثة جوانب رئيسة: تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية، وتطوير جهاز تفجير، وإنتاج واختبار صواريخ باستطاعتها حمل رأس حربي نووي.
ويقال إن جهود طهران لإطلاق الأقمار الصناعية التابعة للحرس الثوري الإيراني تهدف إلى صنع صواريخ قادرة على حمل رؤوس حربية نووية.
كما تواصل منظمة "سبند" إنتاج عنصر رئيس آخر في البرنامج النووي، حيث واصلت جهودها المبذولة لصنع جهاز تفجير، والتي يبدو أنها توقفت بعد الكشف عن "مشروع آماد" عام 2003.
وبحسب مصادر "إيران إنترناشيونال"، بعد ذلك العام، فقد استمر هذا المشروع سرًا في شكل المشروع 110.
وبحسب الوثائق المسربة، عملت طهران بعد عام 2003 على صنع متفجرات نيوترونية يمكن استخدامها في الرؤوس الحربية النووية في موقع آبادة بمحافظة فارس؛ حيث سبق أن اختبرت إيران أجهزة تفجير القنابل النووية.
وقالت مصادر "إيران إنترناشيونال" إنه منذ عام 2011، بدأت "سبند" مشروعًا يُسمى "متفاض" في منشأة آبادة مع إحدى الشخصيات الرئيسة الثلاث في البرنامج النووي العسكري الإيراني الحالي، وسبق أن ادعت إيران أنها أوقفت هذا البرنامج.
وأظهرت الصور، التي نُشرت لعام 2018، أنه في العامين السابقين لهذا التاريخ، عندما تم تنفيذ الاتفاق النووي، كانت طهران مشغولة باختبار الجهاز المتفجر لرأس حربي نووي.
مَنْ هو سعيد برجي؟
سعيد برجي هوخريج جامعة مالك أشتر، التابعة لوزارة الدفاع، وخبير في المتفجرات والمعادن في مجموعة "شهيد كريمي" التابعة لـ "سبند"، وكان يساعد في البرنامج النووي العسكري لطهران، لفترة من الوقت، تحت غطاء شركة "آذر أفروز سعيد"، والتي ادعت أنها تنتج خزانات كروية لصناعة البتروكيماويات.
وبعد سرقة الوثائق النووية الإيرانية من قِبل "الموساد"، وعندما أدركت طهران أن موقع آبادة قد تم الكشف عنه، قامت بتدمير الموقع على الفور، لكن يمكن رؤية آثاره في صور الأقمار الصناعية.
وبحسب المعلومات الحصرية، التي تلقتها "إيران إنترناشيونال"، فإن سعيد برجي استأنف نشاطه مؤخراً تحت غطاء شركة "آروين كيميا أبزار" لإنتاج البتروكيماويات.
وقام بنقل جزء من أسهمه في هذه الشركة إلى مركز تطوير وحدات تكنولوجيا الدفاع المتقدمة التابع لمنظمة "سبند" في سبتمبر (أيلول) 2022.
وقد فعل ذلك أيضًا شريكه، أكبر مطلبي زاده، الذي كان سابقًا مستشارًا للشخصية البارزة في البرنامج النووي العسكري الإيراني، محسن فخري زاده، ورئيس مجموعة "شهيد كريمي" التابعة لـ "سبند".
ويقع كل من سعيد برجي وأكبر مطلبي زاده، تحت طائلة العقوبات الأميركية، وهما ينفذان حاليًا برنامج صنع أجهزة التفجير تحت إشراف القائد في الحرس الثوري الإيراني، رضا مظفري نيا.
والجدير بالذكر أن رضا مظفري نيا هو الرئيس السابق لجامعة مالك أشتر التابعة لوزارة الدفاع الإيرانية، والنائب السابق للأبحاث الصناعية في هذه الوزارة، والذي حل محل محسن فخري زاده في "سبند" قبل ثلاث سنوات.
وقد كان جزءًا من هيكل البرنامج النووي العسكري للنظام الإيراني لسنوات عديدة.
وقال مصدر مطلع في وزارة الدفاع الإيرانية، لـ "إيران إنترناشيونال"، إن إنشاء منظمة "سبند" المستقلة بميزانية مستقلة ودون رقابة هو جزء مهم من خطة إيران الأخيرة لصنع أسلحة نووية.
لماذا تم الإبقاء على محمد إسلامي؟
في بداية الأسبوع الجاري، أبقى الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، على محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في منصبه.
ويعد إسلامي شخصية مهمة في البرنامج النووي العسكري الإيراني، ويختلف تمامًا عن الرؤساء السابقين لمنظمة الطاقة الذرية.
ويعتبر لاعبًا رئيسًا آخر في برنامج طهران النووي، وتولى مهمة حساسة بين عامي 1987 و1989؛ حيث اضطلع مسؤولية نائب مدير خطط التطوير في منظمة الصناعات الدفاعية.
وكان إسلامي قد أرسل فريقًا إلى دبي، نيابة عن النظام الإيراني، لعقد لقاء سري مع العالم النووي الباكستاني، عبد القدير خان.
واعترف عبد القدير خان لاحقا بأنه باع معلومات نووية ومعدات التخصيب لإيران.
ويظهر دور إسلامي بوضوح في الرسم البياني لإحدى الوثائق النووية الإيرانية المسروقة.
وقام إسلامي، بصفته رئيسًا لمعهد التعليم والأبحاث للصناعات الدفاعية، بتغطية جميع جوانب البرنامج النووي العسكري الإيراني، ومن بينها مشروع "آماد"، الذي تم تنفيذه بإشراف فخري زاده.
وكان إسلامي أيضًا مساعداً للشؤون الصناعية والبحثية في وزارة الدفاع لمدة عامين بعد الاتفاق النووي.
وقال مصدر في وزارة الدفاع، وآخر مقرب من "سبند"، لـ "إيران إنترناشيونال"، إن إبقاء إسلامي تم بُناءً على أمر خامنئي للحفاظ على الفريق الجديد للبرنامج النووي العسكري الإيراني المكون من ثلاثة أعضاء.
محاولة تغيير سياسة الردع الإيرانية
وأكد دبلوماسي غربي لـ "إيران إنترناشيونال" أن الأجزاء المشكوك فيها من الأنشطة النووية الإيرانية أثارت قلق الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الأوروبية.
وبعد التطورات التي حدثت في الشرق الأوسط، وآخرها اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، فقدت سياسة الردع، التي تنتهجها إيران، بالاعتماد على وكلائها في المنطقة، فاعليتها، ويعلم خامنئي وغيره من قادة النظام تمام العلم بذلك.
وربما تكون هذه الحقيقة هي التي دفعت إيران إلى إيجاد رادع آخر.
وكان محمد رضا صباغيان، ممثل مقاطعة "مهريز" بمحافظة يزد في البرلمان الإيراني، قد قال في اليوم الذي أرسل فيه بزشكيان قائمة الوزراء المقترحة إلى البرلمان: "أي منطق وأي قانون يقول إن المتنمرين يجب أن يمتلكوا أسلحة نووية ولا تمتلك إيران؟".
وأضاف: "نطلب من المجلس الأعلى للأمن القومي مراجعة الأوضاع الجديدة، والاقتراح على المرشد لتمهيد الطريق لصنع الأسلحة النووية، وفق الفقه الإسلامي الديناميكي".
وهذه هي الطلقة الأخيرة وربما الأكثر خطورة لـ "خامنئي".