في ظل الصراع المستمر مع إسرائيل؛ تتعالى الأصوات المنادية بتسليح البرنامج النووي لإيران. وقد تثير هذه الدعوات، التي بدأت من تيار المتشددين وتوسعت لتشمل نواب البرلمان وكبار المستشارين، مخاوف من إمكانية تحول موقف إيران نحو تطوير أسلحة نووية.
وتشير التقارير إلى أن مجموعة غير معروفة ولكنها مؤثرة، تم تشكيلها بأمر من المرشد الإيراني، علي خامنئي، قد تلعب دورًا حاسمًا في هذا التحول. وتبدو هذه المجموعة كأنها ستقدم الحافز، الذي يحتاجه خامنئي، للتخلي عن رفضه المعلن للسلاح النووي، في ظل التهديدات المتزايدة من الهجمات الإسرائيلية.
إن زيادة التوترات في المنطقة، مع تصاعد النزاع الإيراني- الإسرائيلي، قد يؤدي إلى تغيير استراتيجي في السياسة النووية الإيرانية، مما يرفع من منسوب القلق الدولي بشأن استقرار المنطقة، وسعي إيران المحتمل نحو الحصول على الأسلحة النووية.
وحتى الآن، يقاوم خامنئي جميع هذه الدعوات علنًا، ويُعتبر رفضه لأسلحة القتل الجماعي، بناءً على أسس دينية، دليلاً يستشهد به المسؤولون الإيرانيون لإثبات أن الأنشطة النووية لإيران سلمية، ولا يمكن أن تكون خلاف ذلك.
وفي ظل الموقف الرسمي لخامنئي، تُفهم معظم التعليقات الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين حتى الآن على أنها تصرفات دعائية. ومع ذلك، قد تشير بعض المنشورات الأخيرة، التي أصدرها المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية (SCFR)، إلى تحول ذي مغزى في عقيدة الدفاع الإيرانية.
وقد أنشأ خامنئي المجلس في عام 2006 كهيئة استشارية لمساعدة مكتبه في تطوير السياسة الخارجية والتخطيط الاستراتيجي. وبسبب غموض آليات عمل النظام الإيراني، فمن الصعب تحليل عملية اتخاذ القرار للمرشد خامنئي، ولكن من الواضح أن الهيئات غير الرسمية مثل (SCFR) أصبحت ذات أهمية متزايدة في هذه العملية.
ومنذ الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، أصدر هذا المجلس عدة منشورات تتعلق بالقضية النووية. ومن بين ذلك، تم إجراء مقابلتين لمناقشة كيف أصبحت عقائد روسيا والصين النووية أكثر عدوانية، ردًا على الإجراءات الأخيرة، التي اتخذتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. فكلا البلدين يسلط الضوء على أهمية الأسلحة النووية في تعزيز قدرات الردع، ويظهر تشابهًا واضحًا مع موقف إيران فيما يتعلق بإسرائيل.
وتتناول ورقة أخرى الدوافع الاستراتيجية وراء الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل، مشددةً على استعداد إيران لبذل المزيد لردع إسرائيل، محذرةً من أن الردود المستقبلية ستكون أشد قسوة. تتبع هذه المنشورات دعوات أكثر وضوحًا من قِبل المجلس لإعادة النظر في العقيدة النووية الإيرانية، خلال الأشهر الأخيرة.
وتذكر إحدى المقالات المنشورة على موقع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية (SCFR)، أنه "من الطبيعي تمامًا أن تطرح إيران- كأمة تواجه التهديدات وتتحمل بشكل أحادي جميع تكاليف تخفيف المخاوف النووية للدول الغربية دون جني أي فائدة اقتصادية أو أمنية- أسئلة جوهرية حول مدى ملاءمة وحكمة عقيدتها النووية والدفاعية الحالية".
أسس التحول المحتمل
قد لا تحمل هذه التصريحات ختم المرشد الإيراني، لكن السوابق تشير إلى أنها يمكن أن تكون بمثابة الأساس لتحول محتمل في موقف خامنئي، مما يدل على أن تعليقات مستشاريه الأخيرة قد تكون أكثر من مجرد تصرفات شكلية وتصريحات دعائية.
وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، أثبتت الهيئة الاستشارية نفسها كمنبر لتغيير السياسة الخارجية الإيراني.
وتتنبأ منشورات مركز الدراسات الاستراتيجية في طهران (SCFR) بشكل متكرر بالقرارات العامة للمرشد الإيراني ومسؤولين آخرين في الدولة، مما يشير إلى أن خامنئي قد يفصح أولاً عن نواياه إلى المركز لمناقشتها، قبل اتخاذ أي قرار.
وأحد الأمثلة على ذلك هو منشور عام 2020، الذي أشار إلى دعم التعاون الاستراتيجي الأقرب مع روسيا، قبل انضمام إيران إلى منظمة شانغهاي للتعاون، ودعم غزو أوكرانيا، والاتفاق الأمني الثنائي الذي تم إكماله مؤخرًا.
وهناك مثال آخر على ذلك، وهو اعتماد إيران تخفيف العقوبات واستئناف المفاوضات مع الدول الغربية كأهداف رئيسة للسياسة الخارجية، في ظل رئاسة مسعود بزشكيان.
وقبل ولاية خامنئي، بدا أن النظام الإيراني أقل اهتمامًا بهذه الجهود؛ حيث أعطى المرشد الأولوية لتطوير "اقتصاد المقاومة"؛ لمواجهة ضغوط العقوبات الدولية.
وبحلول عام 2023، شجع المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية (SCFR)، على متابعة تخفيف العقوبات كجزء من أجندة السياسة الخارجية لإيران في عام 2024، متراجعًا عن نهج "اقتصاد المقاومة". كما أصدر المجلس، قبل الانتخابات الإيرانية لهذا العام أيضًا، بيانات إضافية تتناول هذا الموضوع.
ومنذ تولي بزشكيان منصبه، سعى لتحقيق هذه الأهداف بدعم ضمني من خامنئي.
وبشكل عام، تشير المنشورات الأخيرة للمجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية (SCFR)، إلى تغيير في نغمة الهيئة الاستشارية من إصرارها السابق على أن إيران فاعل مسؤول في قضية انتشار الأسلحة النووية، بما يتماشى مع خطاب خامنئي، إلى موقف أكثر استعدادًا للمخاطر النووية.
ويجلب ذلك تداعيات مقلقة، خاصة في سياق جهود إيران لزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب في وقت سابق من هذا العام.