في بداية عام 2024، كان يبدو أن النظام الإيراني في موقع قوي، حيث كان يتم تعزيز قدراته النووية كل يوم، وكان حلفاؤه الإقليميون يمارسون ضغوطًا على إسرائيل من جبهات متعددة، بينما كان شركاؤه الحوثيون في اليمن، يعرقلون حركة التجارة في البحر الأحمر.

وبالنظر إلى الأوضاع في بداية عام 2024، كان من المفترض أن تسير الاستراتيجية، التي يتبعها المرشد الإيراني البالغ من العمر 85 عامًا، علي خامنئي، بنجاح في تعزيز النفوذ الخارجي وترسيخ السلطة الداخلية. ومع ذلك، كان هذا العام مليئًا بالتغيرات الكبيرة.

فقد تم إضعاف حماس وحزب الله اللبناني، وهما الجماعتان المدعومتان من طهران، نتيجة للهجمات الإسرائيلية عليهما. في الوقت نفسه، تمكن الثوار الإسلاميون المعارضون للنظام الإيراني من الإطاحة ببشار الأسد ونظامه في سوريا، الذي كان يعد من أهم حلفاء طهران في المنطقة.

وأكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة ساسكس البريطانية، كامران متين، في مقابلة مع بودكاست "آفاق إيران" على قناة "إيران إنترناشيونال"، أن إيران دخلت الآن عامًا حاسمًا. وأضاف أن مجموعة من هذه الأحداث قد أدت إلى وضع بالغ الصعوبة لنظام طهران، خاصة أن مواجهة هذه التحديات أصبحت أكثر تعقيدًا؛ بسبب تقدم السن والحالة الصحية للمرشد الإيراني.

وترتبط الاستراتيجية الإقليمية والدولية للنظام الإيراني ارتباطًا وثيقًا بكيفية إدارة الأوضاع وتعزيز السلطة داخل البلاد. ويعد إلقاء اللوم على المشاكل الداخلية- بسبب العقوبات والصراعات الإقليمية، وتقديم وعود بأن الاستثمار في البرنامج النووي وتمويل الجماعات بالوكالة يمكن أن يعزز مكانة البلاد في منطقة مليئة بالتوترات- جزءًا من آلية عمل النظام.

ومع ذلك، يرى متين أن هذا المنطق لم يعد فعالًا، وأن "جاذبية" القوة الإقليمية لإيران قد تراجعت بشكل ملحوظ. وفقًا لتقرير "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، وهي مركز دراسات يقع مقره في واشنطن، فقد شهدت إيران منذ 26 ديسمبر (كانون الأول) الماضي حتى 2 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي 54 احتجاجًا ضد النظام.

وتشير هذه المعطيات إلى أن نظام طهران يواجه الآن الواقع المؤلم لتقليص قوته ونفوذه، سواء داخليًا أو خارجيًا.

هل يسعى النظام الإيراني إلى التوصل لاتفاق أم صنع قنبلة نووية؟

يواجه حكام إيران الآن خيارات محدودة؛ فهم يواجهون في الوقت نفسه أزمة اقتصادية حادة، وتدهورًا غير مسبوق في قيمة العملة المحلية، وأزمة طاقة ساهمت في تأجيج الاحتجاجات الشعبية، وفقدانًا لقوتهم الإقليمية، التي كانت سابقًا تُجبر الأعداء على التراجع.

وهم الآن أمام مفترق طرق؛ إما أن يسعوا للحصول على سلاح نووي لضمان أمنهم، وإما أن يتنازلوا أمام الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، ويعرضوا هويتهم "المعادية للإمبريالية" للخطر.

وسيعتمد اختيار طهران بين هذين الخيارين على سياسة ترامب تجاه إيران التي كانت قد خططت، حسب وكالات الاستخبارات الأميركية، لاغتياله. كما أن ترامب، الذي شكّل إدارته القادمة من معارضين متشددين للنظام الإيراني، كان قد هدد إيران سابقًا بالدمار الكامل؛ ردًا على خططها لاغتياله.

ومن المتوقع على الأقل أن يعود ترامب إلى البيت الأبيض ليعيد فرض سياسة "الضغط الأقصى" بشكل أشد، مما يفرض ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الإيراني المتأزم، عبر فرض عقوبات اقتصادية أكثر شدة.

وأشار متين إلى الوضع الحالي للنظام الإيراني، قائلًا: "من غير الواضح كيف يمكن لإيران أن تتفاوض مع الولايات المتحدة والقوى الغربية من موقف قوة، أو أن تحصل على أي تنازلات منها".

وتحدث المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام التابعة للنظام بحماسة أكبر عن فكرة التفاوض مع ترامب، متخلين عن شعاراتهم السابقة حول "المقاومة" و"المواجهة".

ويعتقد متين أن هذا التغيير في الموقف قد يكون دليلًا على الخوف بين الحكام الإيرانيين وفهمهم لوضعهم الضعيف والهش.

وبعد سقوط حكومة الأسد، خلال الشهر الماضي، ذكر خامنئي، في خطابه أمام حشد من أنصاره، أن إسرائيل والولايات المتحدة هما المسؤولان عن عجز النظام الإيراني عن مساعدة إنقاذ حليفه القديم.

وفي تحليل لهذا الخطاب، الذي لم يكن فيه أي أثر للغة المعتادة للمرشد الإيراني، أضاف متين: "إن خامنئي اعترف فعليًا بهذا العجز، وقال إن الأميركيين والإسرائيليين قد سدوا جميع الطرق أمامنا".

الحوثيون.. آخر المتبقين من "حلفاء إيران"

يوفر الضعف الحالي للنظام الإيراني فرصة غير مسبوقة للولايات المتحدة لوضع طهران أمام خيار صعب: إما أن تتخلى عن دعم حلفائها الإقليميين، وإما أن تواجه خطر المواجهة العسكرية.

وفيما يتعلق بتغيير ميزان القوى هذا، أشار متين قائلًا: "نظرًا لأن إسرائيل قد أضعفت فعليًا قوات إيران بالوكالة، فإن ترامب يميل الآن أكثر إلى مواجهة إيران".

ويعتبر الحوثيون في اليمن، الذين يُعدون حاليًا آخر حليف عسكري قوي لإيران في المنطقة، الهدف الأول المحتمل لضغوط الولايات المتحدة.

وقامت هذه الجماعة، التي تحظى بدعم عسكري ومالي من طهران، منذ بداية حرب غزة، بشن هجمات متواصلة ضد إسرائيل باستخدام الصواريخ والطائرات المُسيّرة، معتبرةً تلك الهجمات تعبيرًا عن تضامنها مع الفلسطينيين.

وبحسب إحصائيات مركز رصد الهجمات البحرية في معهد واشنطن للسياسة الشرق أوسطية، شن الحوثيون منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 حتى الآن 106 هجمات معترف بها ضد السفن التجارية في المنطقة.

وفي مقابلته مع "إيران إنترناشيونال"، تحدث متين عن وضع هذه الجماعة المدعومة من إيران، وقال: "إن إسرائيل والتحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، قد كثفوا مؤخرًا هجماتهم ضد الحوثيين".

ونظرًا لضعف موقف النظام الإيراني، فمن المحتمل أن يضطر الحوثيون تدريجيًا إلى التراجع. ويبدو أن وقف إرسال الأسلحة المتقدمة من إيران إلى الحوثيين سيكون أحد المحاور الرئيسة في المفاوضات المقبلة بين طهران وواشنطن.

ابتعاد روسيا عن إيران.. نتيجة غير مباشرة لفوز ترامب

قد تحمل عودة ترامب إلى البيت الأبيض خبرًا سيئًا آخر للنظام الإيراني، وهو ما قد لا يكون واضحًا في البداية.

ونظرًا لأن إنهاء الحرب في أوكرانيا كان أحد أبرز وعود ترامب الانتخابية، فإن نجاحه في هذا المسار قد يعني أن إيران ستفقد إحدى أهم أدوات نفوذها على روسيا، وهي شراكة استراتيجية كانت تسمح لها بتقديم نفسها كقوة عالمية. ويمكن أن يشكل هذا الأمر ضربة قاسية لوضع النظام الإيراني.

وفي هذا السياق، قال متين: "من المرجح أن تعيد روسيا بناء علاقاتها مع الغرب، وخاصة مع الولايات المتحدة. وهذا يعني أن روسيا لن تحتاج بعد الآن إلى الاستجابة لطلبات إيران، مقابل تزويدها بالطائرات المُسيّرة والأسلحة الأخرى لاستخدامها في أوكرانيا".

وأعلنت وزارة الخارجية الأوكرانية، في بداية سبتمبر (أيلول) 2024، أن روسيا قد أطلقت 8060 طائرة مُسيّرة من طراز "شاهد" من صنع إيران باتجاه أوكرانيا منذ عام 2022.

يُذكر أن سوريا، التي كانت سابقًا دولة تحت نفوذ النظام الإيراني، كانت أيضًا أحد العوامل، التي تربط موسكو وطهران.

وفي هذا الإطار، قال متين لـ"إيران إنترناشيونال": "كان كلا البلدين يشارك في دعم نظام الأسد. الآن لم يعد أي منهما موجودًا هناك. ما كان في الواقع يربط إيران وروسيا هو التوتر الواسع الذي يواجهه كل منهما مع الغرب وأميركا".

ويبدو أنه مع تراجع نفوذ النظام الإيراني، والاضطرابات الداخلية، وفشل الحلفاء في مختلف أنحاء المنطقة، فإن عام 2025 سيكون عامًا حاسمًا للنظام الإيراني.

مزيد من الأخبار